عثمان الشويخ يكتب: ​من "لا" القاهرة إلى توقيع شرم الشيخ: مصر تُسقط ورقة التهجير وتُنهي أوهام تصفية القضية

عثمان الشويخ يكتب:  ​من "لا" القاهرة إلى توقيع شرم الشيخ: مصر تُسقط ورقة التهجير وتُنهي أوهام تصفية القضية


​في مشهد تاريخي سيُكتب عنه طويلاً، تحولت مدينة شرم الشيخ إلى منصة عالمية لختام أعقد ملفات الشرق الأوسط، مُعلنة نهاية حرب دامت عامين في قطاع غزة. لم يكن التوقيع على الاتفاق مجرد نجاح دبلوماسي، بل كان تتويجاً لإرادة سياسية مصرية صلبة، حاصرتها أعتى الضغوط والتحديات. خرج أهل غزة ابتهاجاً، فيما أكدت مصر أنها كانت، ولا تزال، صمام الأمان للقضية الفلسطينية.
​صمود الإرادة: الرفض الذي لا يُساوَم
​منذ اللحظة الأولى للأزمة، رفع الموقف المصري بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي شعاراً لا لبس فيه: "لا للتهجير". لم يكن هذا الموقف سهلاً، فقد واجهت القاهرة حصاراً من الضغوط الممنهجة التي هدفت إلى كسر الإرادة المصرية أو استدراجها للمساومة.
​التهديدات كانت متعددة الأوجه وموجهة مباشرة لأمن مصر القومي: التلويح بضرب استقرار البحر الأحمر عبر إثارة القلاقل وتهديد إيرادات قناة السويس، والضغط بورقة المياه عبر سد النهضة، والتلويح بإثارة الفوضى الداخلية في الجنوب، وصولاً إلى التهديد بخرق الحدود والوجود العسكري المباشر على محور فيلادلفيا. ورغم كل هذه الأوراق، التي سُحبت على الطاولة الواحدة تلو الأخرى، كان الرد المصري ثابتاً وحاسماً في كل مرة: "لا يعني لا". لقد كان هذا الرفض هو الخط الدفاعي الأخير الذي منع تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي.
​انتصار الدبلوماسية الصامتة
​في ظل زحام التصريحات النارية والمزايدات "العنترية" لبعض الأطراف، اختارت الدبلوماسية المصرية، مدعومة بقوة جهاز المخابرات العامة المصرية (GIS)، طريق العمل الهادئ والفعال. قاد السيد اللواء حسن رشاد فريقاً عمل بصمت لتحقيق التوازن الدقيق بين حماية الأمن القومي المصري ودعم حق أهل القطاع في البقاء والكرامة على أرضهم.
​بعيداً عن الأضواء والضجيج، حصدت القاهرة نصيب الأسد في عملية الحل، مُثبتة أن القوة الحقيقية تكمن في القرار السياسي المستقل والقدرة الاستخباراتية على إدارة أعقد الملفات. إن إتمام الاتفاقية على الأراضي المصرية هو تأكيد قاطع على الدور الريادي للقاهرة، وضربة قاضية لكل الأبواق التي سعت لتشويه موقفها أو تقليل من أثر جهودها على مدار عامين.
​تحوّل دراماتيكي: مهندس التهجير يُوقّع في مصر
​لعل المشهد الأكثر دلالة على الانتصار المصري هو حضور الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب شخصياً للتوقيع على الاتفاقية في شرم الشيخ. فبعد أن كان ترامب يُلوّح بالتهجير ويدعو مصر للقبول به، جاء الآن للتوقيع على وثيقة تنهي الحرب وتُثبت الفلسطينيين على أرضهم، برعاية وضمانة مصرية.
​هذا التحول لم يكن مجاملة بروتوكولية، بل هو إلزام دولي لأكبر داعم للطرف الآخر، وترسيخ لحقيقة أن مصير العالم يتحدد من القاهرة. لقد حولت مصر طاولة الضغوط إلى طاولة سلام، وأجبرت مهندس التهجير على المجيء بنفسه للتوقيع على "وثيقة الرفض". وفي ظل هذا المشهد، لم تتوقف قناة القاهرة الإخبارية عن نقل تفاصيل المفاوضات ودخول قوافل المساعدات الإنسانية تباعاً، مؤكدة الدور المصري الشامل على كل المستويات.
​في الختام، لم يكن هذا الاتفاق نصراً لطرف على آخر عسكرياً، بل هو انتصار لـ الإرادة المصرية التي رفضت التصفية، وانتصار لـ السلام الذي فرضته القاهرة بشروطها، مُسقطة كل أوهام المغامرات ودافعة بالمنطقة نحو مستقبل من الاستقرار الذي لا يُبنى إلا على العدل والحكمة.