مايا إبراهيم تكتب :  زاهي حواس… حين يتكلّم الحجر بلغة عالمٍ لا ينام

مايا إبراهيم تكتب :  زاهي حواس… حين يتكلّم الحجر بلغة عالمٍ لا ينام

في أرضٍ تصرخ حضارةً، وتهمس الرمال بأسرار الملوك والآلهة، وُلد رجلٌ صار اسمه مرادفًا للآثار المصرية، ووجهًا لصورتها عالميًّا. زاهي حواس، العالم الذي لم يكتفِ بأن يكون منقّبًا عن ماضٍ عظيم، بل جعله حاضرًا ناطقًا، يرافقه في المؤتمرات والمتاحف والبرامج الوثائقية، كأنّ الفراعنة منحوه وصيّتهم.

من دمياط، المدينة التي تتعانق فيها ضفاف النيل والبحر، بدأ الحلم. التحق بجامعة الإسكندرية لدراسة الآثار اليونانية والرومانية، لكن قلبه ظلّ معلّقًا بالرمال التي تُخفي أسرار الأهرامات. لم تمضِ سنوات قليلة حتى عاد إلى حضن الحضارة المصرية القديمة، حاملاً شهادة في الآثار المصرية من جامعة القاهرة، ثم الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا، كأوّل مصري يحصل عليها في هذا المجال من واحدة من أرقى جامعات أمريكا.

عرفه العالم كمكتشفٍ لا يُكلّ، لا يهدأ له خاطر إلّا إذا أزاح الغبار عن حجر أو سرد حكاية مومياء. وفي وادي الملوك، بين صمت الجدران ونقوش الحياة الآخرة، كشف عن أسرار كثيرة، أبرزها مومياء الملكة حتشبسوت، وتابع أبحاثه في لغز وفاة توت عنخ آمون مستخدمًا أحدث وسائل الطب الشرعي والتصوير بالرنين المغناطيسي.

ولم يكن حواس مكتفيًا بالماضي، بل كان مدافعًا شرسًا عن حاضر الآثار المصرية. طالب باستعادة الكنوز المنهوبة، ونجح بالفعل في إعادة قطع أثرية ثمينة من متاحف كبرى في الخارج، متحدّثًا باسم حضارةٍ ظلّت تُنهب لعقود، فأعاد لها بعضًا من هيبتها المفقودة.

كتب بالعربية والإنجليزية، للكبار والصغار، بأسلوب مبسّط جعل من علم المصريات مادة حيّة، لا حكرًا على النُخب الأكاديمية. ومن كتبه: “الملك الذهبي”، “سحر الفراعنة”، “رمسيس الثاني”، وغيرها من المؤلفات التي تُدرّس وتُترجم.

لكن زاهي حواس لم يكن فقط في الكتب والمقابر. كان حاضرًا في كل بيت عبر شاشات التلفزة. يتجوّل بين الأعمدة والصروح، يشرح، يروي، يبتسم، يندهش، ويُدهش. ظهر في برامج عالمية، وأدار جولات لزعماء ومشاهير من أنحاء العالم، من أوبرا وينفري إلى باراك أوباما، وظلّ يُردّد دائمًا: “كل حجر في مصر له قصة، وأنا مجرّد راوٍ أمين”.

وإن كان بعضهم رأى في حضوره الإعلامي طغيانًا، أو في سلطته امتدادًا لعصر مركزيّ، يبقى المؤكّد أنّ زاهي حواس، بقبّعته الشهيرة وصوته الجهوري، استطاع أن يُعيد البريق إلى علم الآثار المصري، ويمنحه هوية جذّابة، تُشبه الفراعنة الذين أبهروا الدنيا وما زالوا.

في زمنٍ سريع، نسى فيه البعض أن في الأرض ما يُشبه المعجزة، جاء زاهي حواس ليقول إن الماضي ليس مقبرة، بل مرآة، وأن حضارة الأهرام لا تزال تنبض… فقط، حين تُنصت لحارسها.
الإعلامية مايا إبراهيم